إياد أك غالي: الرجل الذي تحوّل من ثائر يساري إلى زعيم أقوى التنظيمات الجهادية بالساحل
بقلم Sahel Analysis - AmazighWorld.org بتاريخ : 2020-02-12 20:41:00 
منذ فترة ليست بالقصيرة، يتم تداول فكرة التفاوض مع التنظيمات الجهادية الناشطة بمالي تحديداً على غرار ما فعلت الحكومة الأفغانية والإدارة الأمريكية مع حركة طالبان، على اعتبار أن حركة مثل "أنصار الدين" سابقاً، أو جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين حالياً، تشبه في طبيعتها وتركيبتها العرقية حركة طالبان الأفغانية. كل تلك الآمال، إن تُرجمت إلى أفعال، يجب أن تمرّ عبر الرجل الأقوى في مالي، زعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي تضم أربع تشكيلات جهادية. فمن يكون إياد أغ غالي؟
مع تدهور الوضع الأمني في مالي، هناك انطباع سائد لدى الماليين بأن السلطات المحلية تتفاوض مع، إياد أغ غالي، لمحاولة كبح جماح العنف المتصاعد شمال البلاد. ولسوء الحظ، فإن الأمور ليست بهذه البساطة، فالرجل الذي يُكنّى ب "ثعلب الصحراء "، نتيجة خبرته بدروبها ومسالكها، كان قد عمل بالفعل مع السلطات في الماضي في وقتٍ لم تكن فيه التنظيمات الجهادية موجودة بالبلاد. الأمور مختلفة اليوم.
وبالعودة إلى سنوا الثمانينيات، كان الحديث عن "تشدد"، إياد أغ غالي، يبدو وكأنه مزحة ثقيلة. فالرجل لم يكن حتى شخصاً ملتحياً، بل مجرد شارب ستاليني شيوعي. والأغرب من ذلك هو أنه، حسبما تنشر مصادر صحفية، كان عازفاً بفرقة "تيناروين" العالمية الطارقية التي تناضل بالموسيقى والتي حازت على جائزة غرامي العالمية للموسيقى سنة 2012.
ولد إياد أغ غالي سنة 1954 في بوغوسا التابعة لكيدال بمنطقة أزواد، وهو ينتمي إلى قبيلة "إيفوغاس" الطارقية العريقة. أثناء طفولته، نجح الرئيس المالي الراحل، موديبو كيتا، في تهميش قبيلته ونزع الزعامة الاجتماعية منها في إطار معركة مالي مع سكان منطقة أزواد المطالبين بالاستقلال. أقام إياد في مدينة تمبكتو التاريخية فترة من الزمن قبل أن يرتحل في صحاري الإقليم مع عائلته. لقي والده، غالي أغ بابكر، في تمرد سنة 1962 بعد أن اتهمه متمردون آخرون من الطوارق بالتعاون مع حكومة مالي. نشأ إياد في أبيبارا قبل أن يُغادر للدراسة في تين إساكو. وفي سنة 1973، وبينما كان الجفاف قد ضرب البلاد لسنوات متتالية، غادر إياد أغ غالي مالي رفقة العديد من أبناء قوميته متّجهاً إلى ليبيا حيث عمل في مهن صغيرة قبل انضمامه إلى الفيلق الإسلامي لمعمر القذافي. في ذلك الوقت، كان العقيد الليبي يفتح باب التجنيد في الجيش الليبي لأبناء الطوارق من مالي، النيجر وتشاد.
تلقى إياد أغ غالي في ليبيا تدريباً عسكرياً وإيديولوجياً. وفي عام 1982، شارك في الحرب اللبنانية حيث واجه الكتائب اللبنانية والجيش الإسرائيلي. وفي عام 1983، تمّ إرساله إلى تشاد خلال الصراع التشادي الليبي حيث شارك في الإطاحة بالرئيس، حسين حبري، ولم يعُد إلى ليبيا إلا في العام التالي.
عاد إلى مالي سنة 1987، ليُشكّل في العام التالي الحركة الشعبية لتحرير أزواد (MPLA)، بدعمٍ من ليبيا والجزائر، وفقاً لما تُشير إليه مصادر غربية. وكان يُنظم اجتماعات سرية للحركة في الدائرة 11 في باريس. في عام 1990، قاد أول عمل عسكري لحركته الوليدة، فبرفقة 50 رجلاً، هاجم ثكنة للدرك المالي في بلدة ميناكا وقتل العديد من الضباط، بينما أصيب أحد رجاله أثناء الهجوم. هذه العملية، بالإضافة إلى إطلاق شرارة ثورة الطوارق الجديدة، أكسبت، إياد أغ غالي، شهرةً كبيرة كمحارب ومخطط استراتيجي عسكري وزعيم قبلي. وبين عامي 1990 و1991، شن عدة هجمات أخرى ضد القوات المالية ليُصبح أحد أبرز وجوه الثورة الطارقية. ومع تصاعد أعمال العنف، نجحت الجزائر في جلب الطرفين إلى طاولة المفاوضات. في عام 1991، لعبت الدبلوماسية الجزائرية دوراً حيوياً في وساطتها في الصراع ونظمت مفاوضات في تمنراست. وفي تلك المفاوضات، كان إياد أغ غالي هو المحاور للحكومة المالية، حيث وافق على التوقيع على اتفاق تمنراست للسلام رغم أنه لم يلبِّ أي من مطالب الثورة الطارقية. ذلك التوقيع، جعله يبدو "خائناً" في نظر بعض الطوارق، بينما كان في نظر البعض الآخر وحتى الأطراف الإقليمية، بما فيها الجزائر، أصبح الرجل الذي جلب السلام إلى الأزواديين. بعد ذلك، أسس، إياد أغ غالي، الحركة الوطنية لأزواد (MNA) ذات الإيديولوجية اليسارية الوطنية الطارقية.
وبعد شهرين من توقيع اتفاقات السلام، تجددت الاشتباكات بين الجيش المالي وحركة، إياد أغ غالي الوليدة.
كان، إياد أغ غالي، وقتها أقرب إلى الفكر اليساري القومي منه إلى الإسلامي، وبعد عام من المعارك مع الجيش المالي، وقّع فصيل غالي اتفاق سلام مع الحكومة المالية بوساطة إقليمية.
اختفى غالي من الساحتين السياسية والعسكرية بمنطقة أزواد قبل أن يعاود الظهور مجدداً مطلع سنة 2000 ويلعب دور الوسيط في مفاوضاتٍ مع تنظيم القاعدة أبرزها كانت قد انتهت بالإفراج عن رهائن غربيين كانوا مختطفين لدى تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي". وفي سنة 2003 تدخّل أيضاً كوسيط لإطلاق سرح 14 أوروبياً أغلبهم من الألمان، اختطفتهم القاعدة في الجزائر، وتذهب بعض المصادر إلى إنه تلقّى أموالاً مقابل الوساطات التي كان يقوم بها.
وفي سنة 1996، انتقل، إياد أغ غالي، إلى العاصمة المالية باماكو.
تختلف المصادر في حول بداية اعتناقه الفكر السلفي، فمنها ما يُرجعه إلى عام 1997، حين استقر الدعاة السلفيون الباكستانيون التابعون لجماعة "التبليغ" في كيدال، حيث تقرّب منهم، إياد أغ غالي، وأصبح ملازماً للمساجد، بينما ترى مصادر أخرى أنه أصبح سلفياً بعد تأثره بالفكر السلفي في السعودية أثناء عمله كقنصل عام بمدينة جدة.
تذهب مصادر أخرى إلى أن السلطات السعودية طلبت منه مغادرة البلاد نهائياً سنة 2010، بعدها أمضى بضعة أسابيع في فرنسا قبل أن يعود إلى مالي.
كان إياد أغ غالي يخشى من أن يؤدي غيابه المستمر عن أزواد، بسبب عمله كدبلوماسي، إلى فقدان تأثيره قليلاً في المنطقة. وفي سنة 2011 وبعد وفاة معمر القذافي، عاد العديد من مقاتلي الطوارق من جيشه إلى مالي. حينها تأسست الحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA). وطالب، اياد آغ غالي، بتولّي قيادة الحركة. لم يكن الزعيم يحظى بالثقة الكافية لدى بقية كوادرها. والسبب أنهم يعتقدون أن له ارتباطات بالجزائر وتعاطفه مع الإسلاميين، على اعتبار أن فكر الحركة هو قومي وطني. لقد اختيارت قيادات الحركة ابن أخته، بلال أغ الشريف، أميناً عاماً لها، والعقيد السابق في الجيش الليبي، محمد أغ الناجم، مسؤولاً عسكرياً. بعد أيام قليلة فقط من خيبة الأمل هذه، راهن إياد أغ غالي، لخلافة إنتالا أغ الطاهر في منصب رئيس اتحاد قبائل طوارق إيفوغاس.
بعد الفشل في تحصيل مناصب قيادية، لجأ إياد أغ غالي إلى ابن أخته، عبد الكريم الترجوي، رئيس إحدى كتائب القاعدة في "بلاد المغرب الإسلامي"، ليعرض عليه انضمام رجاله الخمسين. وجاء الرفض من أعلى هرم تنظيم القاعدة. عبد المالك دروكدال، زعيم تنظيم القاعدة في "بلاد المغرب الإسلامي". وفي مطلع سنة 2012، أسس، إياد أغ غالي، حركته الخاصة والتي أسماها "أنصار الدين". وتقدّر بعض المصادر عدد عناصرها أثناء التأسيس بحوالي 300 رجل بفضل مختلف التحالفات القبلية التي صنعها إياد أغ غالي والكاريزما التي يمتلكها. وأصبحت جماعته بذلك، أهم حركة في المنطقة، تفوقت حتى على الحركة الوطنية لتحرير أزواد. تخلّى إياد أغ غالي، عن المطالبة باستقلال أزواد، ليتحول مطلب الآن إلى تأسيس جمهورية إسلامية تُحكم بالشريعة في منطقة أزواد.
عانى جيش مالي من هزائم متتالية على يد الطوارق، حينها انسحب من منطقة أزواد لتصبح كلياً في قبضة الأزواديين سواءً من الحركة الوطنية أو الإسلاميين. في 30 مارس 2012، دخل مدينة كيدال كالفاتحين على رأس موكب ضخم من المركبات. وبعد ثلاثة أيام، ظهر في تمبكتو برفقة قيادات القاعدة في "بلاد المغرب الإسلامي" أمثال، جمال عكاشة وعبد الرحمن أبو زيد ومختار بلمختار. سيطرت قوات، إياد أغ غالي، على المدينة وطردت مقاتلي الطوارق والعرب معاً. تأسيس الشريعة. في عام 2013، تدخّل الجيش الفرنسي في إطار عملية "سيرفال" لطرد الجهاديين من مدن أزواد الرئيسية الثلاثة: كيدال، تمبكتو وغاو. لجأ غالي حينها إلى الحدود مع الجزائر أين يوجد بعض السكان الموالين له.
بدأت السلطات المالية والجيش الفرنسي عملية مطاردة للقبض عليه دون جدوى. استمرت المَهمّة حتى بعد تغيير عملية "سيرفال" بعملية "برخان" في عام 2014. حددته فرنسا كعدوها الأول في المنطقة. بعد عجزها عن القبض عليه، لجأت فرنسا لتصفية مقربين منه، كما هو حال هارون سعيد والمعروف باسم أبو جمال الذي قُتل سنة 2014 من طرف الفرنسيين أثناء عملية ضد الجهاديين في منطقة كيدال، كما هو وقع للزعيم القبلي المقرّب من، إياد أغ غالي، الشيخ آغ عيسى ، القيادي في المجلس الأعلى من أجل وحدة أزواد والذي تم القضاء عليه من قبل فرنسا، حسب العديد من المصادر فقد تم زرع لغم في طريقه عام 2016 ما أدرى إلى انفجار سيارته بعد خروجها من مقر بعثة الأمم المتحدة في كيدال.
منذ ذلك الحين ، أعلنت GSIM ، بقيادة إياد الغالي ، مسؤوليتها عن ما لا يقل عن اثني عشر هجومًا ، وآخرها يعود إلى 26 يناير. لكن كالعادة ، إياد الغالي لا يغلق الباب. أعلن استعداده للتفاوض مع السلطات. ووفقًا للمعلومات الحديثة ، أرسل له ديونكوندا تراوري ، الممثل السامي لرئيس الدولة لوسط مالي ، مبعوثين ، وأتاح له الفرصة للعب مصاصة الشمال مرة أخرى.
في 05 مارس 2017، أسس إياد أغ غالي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وهو التنظيم الذي يضم أربع حركات جهادية ناشطة في منطقة أزواد والساحل وهي: "أنصار الدين"، "كتائب تحرير ماسينا"، "كتيبة المرابطون"، "إمارة منطقة الصحراء الكبرى". وأعلن التشكيل الجديد مبايعته تنظيم القاعدة العالمي.
منذ ذلك الحين، أعلنت الجماعة، بقيادة إياد أغ غالي، مسؤوليتها عن ما لا يقل عن اثني عشر هجوماً كان آخرها ييوم 26 يناير المنصرم وأودى بحياة 7 جنود ماليين.
المقال منقول عن موقع Sahel Analysis من اجل مشاركته مع امازيغ شمال افريقيا